Read the article in ENGLISH

منذ اندلاع ثورة 17 تشرين الأول 2019 منذ نحو شهرين، لم يبادر سياسي واحد لإنقاذ الشعب اللبناني الذي بدأ بمعظمه يصارع من أجل تأمين المتطلبات الحياتية الأساسية له ولعائلته. ولكن، من جهة أخرى، شهد هذا الشهران المئات من المبادرات، بعضها فردي وبعضها أتى من خلال مجموعات صغيرة في لبنان والإغتراب، والذين حاولوا كل ما في وسعهم لإظهار دعمهم الحقيقي لبلدهم الأم، كلّ من خلال طريقته المميزة والفريدة في بعض الأحيان.

واحدة من هذه المبادرات قامن بها مجموعة من الجالية اللبنانية في أستراليا، وتحديدًا في مدينة Brisbane عاصمة ولاية Queensland، حيث تحاول مجموعة من 12 شخصًا إحداث فرقٍ ولو صغير في مجال مساعدة لبنان واللبنانيين. وبالرغم من تشديدهم على أنّ هدفهم الأوحد هو المساعدة لا التسويق لأنفسهم، نكتفي بذكر الإسم الأول لأبرز الأشخاص الناشطين في هذه المجموعة، وهم: ملحم، إيلي، نبيل، الياس، محمد، مايكل، جاد، رنا، طوني، باسل، جورج وسام.

مثل كثير من اللبنانيين، أتى سام أ. (40 عامًا) إلى أستراليا منذ نحو عشرين عامًا باحثًا عن حياةٍ ومستقبلٍ أفضل، عاش العشرة أعوام الأولى منها في سيدني لينتقل بعدها للعيش في Brisbane منذ نحو عقد. سام فقد الأمل في لبنان منذ 15 عامًا بعد الإغتيالات ومحاولات الإغتيال التي شهدتها بيروت لأكثر من 18 شخصية سياسية وفكرية وإعلامية، وغيرها الكثير من المواطنين الأبرياء الذين قضوا في التفجيرات، معتبرًا حينها أنّ بناء دولة عصرية وحرّة ومدنيّة خالية من الطائفية بعد أربعة عقود من القتل والفساد واللاعدالة واللامساواة والحروب العبثية، أصبح أمرًا شبه مستحيل.

لكنّ تاريخ 17 تشرين الأول خلق أملًا جديدًا في نفوس اللبنانيين المهاجرين، ومن بينهم سام، الذي أشار إلى أن “اتحاد اللبنانيين يدًا بيد في كل لبنان وعلى مختلف طوائفهم بعث شعورًا جديدًا بالفرح والفخر.. لقد كان شيئًا عظيمًا بالنسبة لي لم أرَ مثله سابقًا، لا بل اعتبرته أعظم من جدار الصين.. هذا المشهد لوحده كان كافيًا ليركّع المسؤولين اللبنانيين ليبدأوا بسماع مطالب شعبهم في حياةٍ أفضل وردّ الأموال التي نهبوها منهم”.

ومنذ الأسبوع الأول، بدأ سام يبحث عن الطريقة الأفضل لمساعدة الثورة في لبنان لوجيستيًا وماديًا، فتواصل مع مجموعة من الثوار في ساحة الشهداء في بيروت، والذين بدورهم سهّلوا عليه التواصل في ما بعد مع مجموعات أخرى من الناشطين وخيم الإعتصامات. وبعد أيامٍ من البحث ودراسة الأفكار المطروحة، قرّر سام إستعمال تطبيق TOTERS لخدمات التوصيل في لبنان، وقام فعلًا بطلبين في بادئ الأمر بمجموع 300 إلى 400 دولار لجمعيتي “مواطن لبناني” (تهتمّ بجمع النفايات وإعادة فرزها بعد انتهاء التظاهرات) و”مطبخ البلد” (تقديم وجبات مجانية في خيم ساحة الشهداء في بيروت).

وبعد أن أصبح خبيرًا في استعمال تقنيات التطبيق، تواصل سام مع مجموعة من أصدقائه ولبنانيين أخرين في Brisbane الذي أحبّوا مشاركنه في ما يقوم به، وقال: “بدأنا مع “مطبخ الثورة في طرابلس”، ومن خلال هذه المجموعة، تعرّفنا على مجموعة أخرى من الناشطين من جبل محسن وباب التبانة، والذي يقومون بتنظيم الحصص الغذائية (تحتوي على الرزّ، الزيت، المعلبات وغيرها…) ومن ثمّ يوزّعونها على المنطقتين. هذه المجموعة أيضًا لديها مطبخ كبير يجمع نساءً من المنطقتين، يقمن يوميًا بتحضير وجبات غذائية لتوزيعها على العائلات الفقيرة هناك، ما كسر حواجز الصراعات المسلحة التي عانت منها المنطقتين في الفترة السابقة، وهم اليوم جميعًا موحدون على قضية واحدة”.

ولم تتوقف مساعدات هذه المجموعة من اللبنانيين في كوينزلاند عند تطبيق TOTERS فحسب، بل شملت خدمة الطلبات عبر السوبرماركات اللبنانية التي تقدّم تسهيلات الطلب والتوصيل على الإنترنت، كما تمّ تحويل بعض المساعدات المالية عن طريق Western Union وخصوصًا لبعض المتطوعين الذين فضّلوا شراء المواد الأولية من “الدكاكين” المحلية لدعم أصحابها وعائلاتهم وصغار التجار في المناطق الفقيرة، مع الإحتفاظ بكامل الوصولات والتفاصيل وإبرازها عند الحاجة منعًا لأي التباس أو تشويش أو إستفادة في غير محلها.

وقال سام لموقعنا: “أنشأنا حساب WhatsApp Group من أجل تسهيل التواصل في ما بيننا وجعله اكثر إنتاجية، وبالرغم من خلفياتنا السياسية السابقة والمختلفة، قررنا أن نكون يدًا واحدةً لمساعدة أهلنا في لبنان، خصوصًا أننا نأتي من مختلف المناطق اللبنانية: بيروت، صيدا، بعقلين، بشري، البترون، زحلة، العبادية، الغريفة والدوير. ونحن اليوم نحاول المساعدة بشكل شبه اسبوعي لكوننا مئة في المئة ثوار ونؤمن بما تمثله هذه الثورة، فنحن اليوم أقرب من أي يومٍ مضى من أن نصبح بلدًا حرًا مستقلًا خاليًا من الفساد.. طريق الثورة اصبح اليوم من دون عودة لأنّه أملنا الوحيد والأخير لإنشاء لبنان المثالي والقوي في اقتصاده وعسكره وبيئته وثقافته”.

وبالرغم من تردّدهم السابق باستقبال المزيد من الأشخاص في هذه المجموعة خشية الوقوع في فخّ الفوضى التنظيمية، ترحّب مجموعة Brisbane اليوم بأي شخص جديد يريد الإنضمام إليها للمساعدة، معتبرةً أنه ليس باستطاعة أي شخص اليوم أن يقدّم 50 إلى 100 دولار أسترالي بشكل أسبوعي في هذه المبادرة، ولكن انضمام المزيد من المشاركين سيزيد بالتأكيد من فرص نجاحها واستمرارها لوقت أطول. وحثّ سام جميع اللبنانيين في أستراليا على خلق مجموعات جديدة لدعم “إخوتنا وأخواتنا في لبنان، ولذين يواجهون بكل ما لديهم من أجل وطننا الأمّ.. كلّ دولار له قيمته اليوم ومساعدة أهلنا خصوصًا في هذه الأزمة الإقتصادية التي يعيشون بها”.