وكأنّ اللبنانيين لا يكفيهم فساد السلطة والإنهيار الإقتصادي والضائقة المعيشية وغيرها من عوامل إفقار الشعوب حتى الإستسلام، حتى تأتيهم العاصفة الإقليمية مستهدفة صميم وجوهر ما تبقّى من الكيان اللبناني: إنّها “صفقة القرن” وما يُهمس فيها من مشاريع توطين الفلسطينيين في البلدان المجاورة، وأوّلها لبنان. وقد يكون أبرز أسباب الخوف من هذه الخطّة هو، بالإضافة إلى الإصرار الأميركي في تنفيذها، إدراك اللبنانيين أن الطبقة السياسية الحاكمة لا تصلح لأن تكون السلطة الأمّ التي تدافع عن أبنائها، لا بل يقينهم بأنّ واضعي هذه الخطة يتّكلون وبشكل أساسي على الجشع المتحكّم بأركان الحكم، بعد أن لمسوا سعيهم لحرق كلّ ما حولهم من أجل البقاء في السلطة أو الوصول إلى المنصب الذي يريدون. وقد علّق أحد المنتقدين على تشبيه الرئيس الفلسطيني محمود عباس الخطة بـ”صفعة القرن” بالقول: “أمام الأموال المخصّصة لإنجاحها، أملنا أن لا يُدير أركان السلطة اللبنانية خدّهم الأيسر…”.
وعلى عادتهم، توالى السياسيون في بيانات الإستنكار والشجب لإقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب “خطة السلام”. أمّا في الشارع، فقد تجمهر بعض الناشطين والمؤيدون للقضية الفلسطينية في تجمعات شعبية في بيروت والضواحي، رافعين لافتات الإستنكار. وبالرغم من اكتساح موضوع “الصفقة” لمواقع التواصل الإجتماعي، كان لافتًا بعض التعليقات الشعبية على منشور الفنانة جوليا بطرس المؤيّد للقضية الفلسطينية، موجّهين سؤالهم لها: “أين كنتِ خلال الـ100 يوم الماضي من الثورة اللبنانية؟”.
وبالعودة إلى الملف اللبناني، لا يزال الفريق الوزاري منهمكًا في كتابة بيانه الحكومي. ولعلّ الأجواء الإيجابية التي روّجت لها أوساط السراي بعد اللقاء الإقتصادي-المالي الذي ترأسه الرئيس حسان دياب وضمّ بالإضافة إلى الوزراء المختصّين، حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ورئيس جمعية المصارف سليم صفير، لم تدم طويلًا مع عودة توقيفات الناشطين إلى الواجهة. فقد قُطع أوتوستراد جبيل والبحصاص ليل أمس بعد توقيف الناشطين جورج قزي ومحمد سرور وربيع الزين، كما تمّ استدعاء ناشطين آخرين للمثول أمام مكاتب بعض الأجهزة الأمنية في بيروت اليوم الخميس. وفي حين حذّر الثوار الحكومة الجديدة من تبنّي نهج قمع الحريات، سُجّل تجمّع كبير للثوار أمام السفارة السويسرية ليل أمس عند جسر الرينغ، مطالبينها بالمساعدة على استرداد الأموال المنهوبة، خصوصًا في ظل المعلومات الواردة عن تحويلات وأرصدة كبيرة هناك، كان آخرها ما له علاقة بالرئيس نبيه برّي وعائلته.