كتبت صحيفة “القبس” الكويتية:

بعد شهر من تفشّي وباء كورونا فيها، باتت إيطاليا، اليوم، الدولة الاكثر تضرراً من فيروس كورونا المستجد (Covid-19) في العالم أجمع، فحتى مساء الأحد، أحصت 5,560 إصابة جديدة، في عدد قياسي آخر يثير القلق، ليرتفع إجمالي المصابين إلى نحو 59 ألفاً. كما سجلت عدداً قياسيا جديداً من الوفيات في 24 ساعة، بلغ 651، ما يرفع الحصيلة الإجمالية إلى 5,476 في شهر واحد، وفق أرقام الدفاع المدني.

إنكار وتخلّف

في البداية، ظلت سلطات إيطاليا في حالة إنكار لوجود المرض، ولم تتحرك بالسرعة الكافية للانخراط في تدابير الفصل الاجتماعي والحظر، على الرغم من أن أجهزة المخابرات حذّرت السلطات من الوباء المحتمل.

وأظهر سياسيو الصف الأول في البلاد جهلاً في التعامل مع خطورة الأمر، وظهرت بينهم مناكفات سياسية حول الإجراءات الواجب اتباعها في ظل هذه الظروف، وقد دعا بعضهم عبر شاشات التلفزيون المواطنين إلى ممارسة حياتهم بشكل اعتيادي، رغم بوادر تفشي المرض.

كما تخلّف الإيطاليون في إجراء فحص واختبار الفيروس التاجي على نطاق واسع، على الرغم من أنه أثبت فعاليته في مكافحة الانتشار.

أول حالة وفاة

في مثل هذا اليوم من الشهر الماضي، توفي أدريانو تريفيسان (78 عاماً) عامل البناء المتقاعد الذي كان يحب صيد السمك ولعب الورق مع رفاقه في الحانة بقرية فو، حيث قضى في مستشفى قريب من بادوا شمالي إيطاليا، فكان أول ضحايا «كورونا» في أوروبا، وخلال هذا الشهر تغيّر وجه إيطاليا، حيث توفي لاحقاً نحو خمسة آلاف.

وغداة وفاة تريفيسان، تصدر «كورونا» الصحف، تحت عناوين مثل «إيطاليا تخشى انتقال العدوى» (لا ستامبا) و«خوف في الشمال» (لا ريبوبليكا).

خطأ السلطات

ذكر خبير صحي أن الخطأ الأول الذي اقترفته الحكومة الإيطالية – مع بداية انتشار المرض – أنها لم تمنع الرحلات المباشرة من الصين (أول مكان لظهور الفيروس) باتجاه إيطاليا، وهذا مكّن من دخول العديد من المسافرين المصابين العائدين من الصين إليها أو المارين بها عن طريق رحلات «الترانزيت» ونشر العدوى، من دون التمكن من مراقبتها أو تتبعها وحصرها. ولفت إلى أنه لم يتم وضع العائدين من الصين إلى إيطاليا في الحجر الاحترازي، كما فعلت دول مثل فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة.

غير متوقَّع

لم يخطر ببال أي من الستين مليوناً إيطالياً أنه سيضطر إلى التزام حجر منزلي صارم لا أحد يدري متى سيُرفع، وأن الصمت سيلف البلد، والمراكب سترسو على أرصفة البندقية حتى إشعار آخر.

ففي يوم وفاة تريفيسان، كان مصمما الأزياء فيرساتشي وفرانكي موريلو يعرضان مجموعات الخريف في ميلانو، ومشجعو فريق لاتسيو يحلمون بأن ينافس فريقهم على لقب الدوري الإيطالي لكرة القدم الذي توج به للمرة الأخيرة عام 2000، وكان السياح يتقاطرون إلى ساحة «القيصر»، حيث تم اكتشاف تابوت حجري يعتقد أنه يعود لمؤسس المدينة الخالدة رومولوس.

خوف ونزوح

ومع ظهور الوباء، أغلقت المتنزهات في نحو عشر مناطق شمالي البلاد، واتخذت تدابير حجر، لا سيما في كودونيو قرب لودي، وسط تهافت الصحافيين إلى المنطقة، ومعظمهم بلا كمامات. وفي أثناء ذلك، كان رئيس الوزراء لا يزال يطمئن المواطنين: «كل شيء تحت السيطرة».

ومع ذلك، لم يسيطر الخوف على الإيطاليين فعلا إلا يومي 7 و8 الجاري، حين فرضت تدابير الحجر المنزلي على 10 ملايين نسمة، وسط زيادة حادة للإصابات في شمالي البلاد، لا سيما في لومبارديا. وبالتوازي مع فرض الحجر المنزلي في الشمال، فر آلاف السكان متوجهين في غالب الأحيان إلى الجنوب الذي ينحدرون منه، وجميعهم معرض لحمل العدوى.

وأطل جوزيبي كونتي على مواطنيه بنبرة وجوم، ليعلن توسيع تدابير الحجر المنزلي لتشمل البلد بأسره، فتم إغلاق المتاجر غير الأساسية ومنع التنقل إلا للضرورات القصوى والمهنية، وحظر التجمعات بكل أنواعها، مشيراً إلى أن النتائج ستظهر بعد أسبوعين.

سرعة التفشّي

عزا تقرير نشرته شبكة «فوكس نيوز» الانتشار السريع للمرض إلى الترابط العائلي والثقافة التي تحدد طريقة الحياة الإيطالية، مضيفاً أن وجود أسر متعددة الأجيال لا تزال تعيش تحت سقف وتحيي المناسبات بشكل عائلي قد يكون من الأسباب التي أدت إلى تفاقم تفشي الفيروس. وذكرت تقارير أنه من المحتمل أن يكون الفيروس قد انتشر من خلال أفراد شباب أصحاء لم تظهر عليهم أي أعراض أو ظهرت أعراض خفيفة جدا، ونقلوه لكبار السن.

وأفاد تقرير بمجلة «ديموغرافيك ساينس» المعنية بدراسات السكان بأن مشكلة إيطاليا مزدوجة؛ فمن جهة تعدّ الدولة الثانية من حيث نسبة السكان الكبار في السن، ومن جهة أخرى فإن الشباب فيها يختلطون دائماً بأقاربهم الأكبر سناً، مثل أجدادهم.

العجز الصحي

يتابع الإيطاليون الحصيلة التي ترتفع يوماً بعد يوم، وأغلقت الكنائس، بينما تشكلت صفوف انتظار طويلة أمام محلات البقالة حيث لا يدخل الناس إلا بأعداد ضئيلة.

أما مراسم الدفن، فتقتصر على إجراءات سريعة لا يحضرها سوى أقرب الأقرباء. وباتت الشرطة تتثبت يومياً من أوراق 200 ألف شخص، وقد يساندها الجيش أيضاً.

لقد هاجمت طفرة هائلة ومفاجئة من المرض الأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة في المستشفيات بالمنطقة الشمالية، التي لم يكن يتوافر فيها عدد كاف من أسرّة وحدات العناية المركزة أو أجهزة التنفس الصناعي.

وتعتبر إيطاليا واحدة من أعلى دول العالم في ارتفاع أعمار سكانها، إذ إن نحو %23.3 من مواطنيها فوق سن 65، وهو ما زاد من فرصة انتشار المرض بينهم. وكان مؤلماً حقاً أن ترى البلاد وقد عادت إلى زمن الحرب العالمية الثانية، وهي تنقل جثث ضحايا المرض بالشاحنات العسكرية، بعد أن عجزت عن تقديم الرعاية الصحية لهم.