لم يكد لبنان أن يلملم ذيول أحداث يوم السبت التي عكست أن البلاد صارت قاب قوسين أو أدنى من الانفجار الكبير بعدما بات الوضع الداخلي «مفخّخاً» بأكثر من «عبوة ناسفة»، سياسية – طائفية – مذهبية – مالية – اجتماعية، حتى أطلّت السلطةُ مثقلةً بـ«وعْكة» جديدةٍ على خط العلاقات بين الرئاستين الأولى (الرئيس ميشال عون) والثالثة (دياب) كما بين مكوّنات الائتلاف الحاكم، بما يشي بضعضعةِ الحكومة والمزيد من «تلطيخ» صورتها أمام الخارج وصندوق النقد الدولي اللذين يضعانها «قيْد الاختبار» في سياق تقويم أدائها ومدى جديتها في التزام دفتر الشروط الإصلاحي الذي لا مفرّ منه للحصول على الدعم المطلوب للإفلات من الأزمة المالية غير المسبوقة.


وفي هذا الإطار برزت الوقائع الآتية:


* عدم توقيع عون مرسوم التشكيلات والمناقلات القضائية مورداً سلسلة ملاحظات حولها ضمّنها في كتابٍ وجهه المدير العام لرئاسة الجمهورية انطوان شقير إلى دياب بواسطة الأمانة العامة لرئاسة مجلس الوزراء «مع تمنٍّ بإبلاغها من الوزراء المعنيين على سبيل الاطلاع والاعتبار، ومن دون أن تؤسَّس على هذا الكتاب أي سابقة دستورية بمعرض امتناع فخامة الرئيس عن توقيع أي مرسومٍ عادي يَخضع إصدارُه بتوقيعه إلى تقديره المطلق عملاً بأحكام الدستور»، لافتاً الى أن «اعادة النظر في المناقلات أمر متاح في كل حين ومناسبة ومتروك لتقدير مجلس القضاء الأعلى».


وفي حين اعتُبر رفْض عون غير المفاجئ لتوقيع المرسوم وذلك على قاعدة الملاحظات المعروفة عليه التي كانت عبّرت عنها وزير العدل ماري كلود نجم ومحسوبين على فريق رئيس الجمهورية رأوا أنه لا يترجم وحدة المعايير ولا يساوي بين القضاة وقدّم بعضهم على حساب آخَرين، مقدّمةً لمواجهة مباشرة بين الرئاسة الأولى ومجلس القضاء الأعلى، فإنّ هذا التطوّر سرعان ما حرّك «جبهة الصلاحيات» بين رئاستيْ الجمهورية والوزراء بعد المناخ الذي ساد حيال دستورية «ردّ» عون المرسوم وإحالته على رئاسة الحكومة مع الملاحظات عليه باعتبار أن هذا مرسوم عادي وليس صادراً عن مجلس الوزراء مع تلميح إلى أن خطوة رئيس الجمهورية هي امتداد لمحاولات ‏إرساء صلاحيات جديدة بالممارسة‎.‎


وبدا واضحاً أن عون تَدارَك هذا الأمر، بعدما وزّع المكتب الإعلامي للقصر خبراً أوّل ورد فيه أن رئيس الجمهورية «ردّ مشروع مرسوم التشكيلات والمناقلات القضائية» قبل أن يورد في خبر ثانٍ «مصحح» أن الرئيس «لم يوقّع»، في ما اعتُبر مؤشراً إلى رغبةٍ في سحب فتيل اشتباكٍ مع رئاسة الحكومة كانت إشاراته لاحت مع الانتقادات اللاذعة التي وجّهها مستشار رئيس الجمهورية الوزير السابق سليم جريصاتي للأمين العام لمجلس الوزراء محمود مكية آخذاً عليه ‎«إقدامه على خطوتين بخفّة لم نعهدها فيه. تغريدة في شأن مسار مرسوم عادي ‏في سياق احتفالية توقيع في رئاسة الحكومة، وتولي رئاسة مجلس الخدمة المدنية بالوكالة من دون حلف اليمين ‏أمام رئيس الجمهورية».


وفي حين لم تتوانَ أوساطٌ سياسية عن اعتبار أن عدم توقيع مرسوم التشكيلات سيعطي ورقة قوية لخصوم العهد والحكومة الذين يضعون «تطيير» هذه التشكيلات في إطار خلافات على الحصص وخصوصاً رفْض فريق عون تعيين النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون مستشارة في محكمة التمييز، ناهيك عن الاستياء من استدعائها من المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات على خلفية 4 شكاوى بحقها إحداها تتعلق بـ«الإساءة إلى مجلس القضاء الأعلى»، فإن هذه الأوساط اعتبرت أن وقْع ما أصاب هذا الملف لن يكون إيجابياً أبداً لدى المجتمع الدولي وصندوق النقد اللذين يضعان استقلالية القضاء في مقدمة الإصلاحات البنيوية المطلوبة لإطلاق قطار الإنقاذ المالي. كما برزت على الخط نفسه دعوات لرئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبّود لتسجيل موقف من هذه الخطوة عبر الإستقالة، في حين رأت أوساط أخرى أن المعركة قد بدأت براصاصة رئاسية، والخروج من اللعبة يعني سقوط القضاء.


* المعلومات عن تقديم موعد جلسة مجلس الوزراء من الخميس إلى اليوم لزوم بتّ أربع تعيينات مرجأة أحدها لمركز مدير عام الاقتصاد الذي رشّحت له حركة «أمل» محمد ابو حيدر والذي يقتضي إنجاز تعيينه قبل الغد أي قبل بلوغه عمر الأربعين وهي السنّ الأقصى للتعيين في الادارة من خارج الملاك.


وفيما تحدّث بعض المصادر عن أن التعيينات قد تشمل أيضاً النواب الأربعة لحاكم مصرف لبنان، مفوض الحكومة لدى مصرف لبنان، رئيس وأعضاء لجنة الرقابة على المصارف، رئيس وأعضاء هيئة الأسواق المالية، لم يُعرف إذا كان اهتزاز العلاقة بين عون ودياب سيترك تداعياتٍ على مسار الجلسة وسلة التعيينات بعدما كان رئيس الحكومة ربط بت التعيينات المالية بإمرار ندى يقظان لرئاسة لمجلس الخدمة المدنية.


على أن أوساطاً واسعة الإطلاع رأت أن مسار التعيينات، وإخضاعه بلا قفازات لمنطق المحاصصة مع قفز مجلس الوزراء فوق قانون آلية التعيينات الذي أقره البرلمان أخيراً (قبل نشْره في الجريدة الرسمية وسط اعتراض عون عليه) يشكل رسالة بالغة السلبية للمجتمع الدولي، ناهيك عن كونه دقّ إسفيناً جديداً بين مكونات الحكومة وشكّل وقوداً إضافياً لخصومها كما للشارع المستنفر بوجهها.

المصدر: صحيفة “الراي” الكويتية