هي ليست دعوة إلى الثورة أو العصيان أو قطع الطرقات ومخالفة النظام العام. هو بكل بساطة سؤال يفرض نفسه أمام الإنهيار المتدرّج والسريع للوضع اللبناني على اختلافاته.
يوم تبنّت الحكومة السابقة اقتراح وزير الإتصالات الأسبق محمد شقير القاضي بتسعير خدمة الواتساب، كان الشرارة التي انتظرها رواد منصات التواصل الإجتماعي في لبنان لإطلاق الدفعة الشعبية إلى الشارع. يومها، لجم السياسيون وقاحتهم أمام الإنتفاضة الشعبية التي طالت شعاراتها جميعهم، وحتى أولئك “المقدّسين” بينهم. ونذكّر هنا كيف أن خبر إطلالة أحد رؤساء الأحزاب على بعض مناصريه تصدّر الأخبار بعدما كان اختفى على مدى نحو أسبوعَين، وهو الذي كان صاحب النصيب الأكبر من الهتافات والشتائم ضدّه.
اليوم، لا مجال لانتقاد السياسيين، فأزلامهم خرجوا من خنادقهم. ولا مجال لانتقاد القضاء، فالإخبارات والملفات الأمنية أصبحت غبّ الطلب. ولا مجال لانتقاد العهد وحكومته، فوزير داخليتها صاحب القبضة الحديدية، لم ينسَ جميل رئيس الجمهورية عليه، وهو لن يتركه. لا مجال لانتقاد السياسة النقدية والمالية، فكل أملنا بأن تتفق المصارف والحكومة على دراسة موحدة للحصول على الدعم من صندوق النقد. لا مجال لانتقاد التهريب إلى سوريا، فقيصرها وقيصرنا يجب أن يكون واحدًا. لا مجال لانتقاد غلاء الأسعار، فالوزراء والمسؤولون يؤكدون أن لبنان أصبح من “أرخص” بلدان العالم، وهم ليسوا سبب هذه الأزمة.
بربّكم، ماذا تنتظرون؟؟ ألم يحرّك غريزتكم ذلك الفجور الذي يمارسونه يوميًا عبر التكلّم عن إنجازاتهم المعدومة فيما يمارسون جميع أنواع الفحش السياسي والإداري، والفجور في التعيينات الإستنسابية والعائلية؟ ألا تستفزّكم مقابلاتهم ومؤتمراتهم الصحافية في قصورهم وبيوتهم الفخمة وأنتم تفكرون ببيع بيوتكم من أجل الهجرة؟ أيرضيكم تهريب الشاحنات المحملة طحينًا ومازوتًا بمواكبة حزبية بعد الهجوم على القوى الأمنية، وأنتم تصارعون من أجل ربطة الخبز التي أصبحت 2,000 ليرة، ولا وقود لتشغيل الكهرباء في أحيائكم. ألم يهزّكم صراخ الوالد في السوبرماركت حاملًا إبنه وهو يصارع الموظفين للحصول على علبة حليب؟ ألم تهزّكم صورة البرادات الفارغة، وحتى أنّ إحدى الصحف العالمية طرحت السؤال “لماذا لم يتحرّك الشعب جديًا بعد؟” ناهيكم عن تقرير صحيفة “التلغراف” البريطانية والذي تحدّث عن موت محتّم ينتظر اللبنانيين في الأشهر المقبلة من الجوع. حتىّ أن المغتربين الذين لطالما ساعدوا أهلهم في لبنان منذ القرن التاسع عشر، هم اليوم عاجزون عن إرسال الأموال بسبب تلاعب سعر الصرف بعدما لامس الدولار الـ9,000 ليرة حتى كتابة هذه السطور. أليست صُور أولئك العجزة الباحثين في الشوارع عن قوتهم اليومي كفيلة بهزّكم من منازلكم، ووضع من أوصلكم لهذه الحالة في براميل القمامة؟
هنا في الإغتراب، لطالما اعتبرت أنّ الهجرة هي من أصعب ما يمكن أن يمرّ على الإنسان، بالرغم من صيتها الرائع بين اللبنانيين. لم يخطر في بالي يومًا بأنني سأسعى لهجرة أهلي من لبنان. اليوم، أجد نفسي مرغمًا على التفكير بذلك بعدما أصبحت العودة الدائمة شبه مستحيلة، لا بل إنني أصلّي حتّى أتمكّن من زيارة لبنان قريبًا.
لفتني ما كتبه أحد المغرّدين المغتربين: “لم أرَ أمّي تبكي قبلًا بسبب الأوضاع، بالرغم من كل ما مرّت به البلاد، لكنّها اليوم تبكي لأن الكهرباء والإنترنت مهدّدتان بالإنقطاع بسبب نقص المازوت، وقد سألتني “كيف سأتواصل معك، ألا يكفي أنّك بعيد عنّي”…”.
نحن بعيدون، ولكم أنتم، “عنجدّ، شو ناطرين؟؟”