- كيفَك يا إمّي؟
- منيح إنتو كيفكن؟
- شو بدنا نخبرك… ما عم نّنام، الغصّة خانقتنا
- طَولي بالك، إنت وبيي وإخواتي بخير..
- نحنا بخير، وهالعالم اللي نايم بالطرقات، هالولاد والختياريي وكياس المصل المعلّقة بالشجر وعالعواميد.. هالشباب (تبكي).. يا حرقة قلبي عهالعالم.. حكيت مع رفقاتَك ببيروت؟
- كلن مناح، للأسف صرنا نقول “نشكر الله ما حدا منعرفو”.. نحنا ضايعين أكتر منكن
هكذا كان الإتصال مع لبنان عند الصباح، بعد ذلك الثلاثاء المشؤوم. وبين كل اتصالٍ وآخر، كانت الصدمة في أصوات من نطمئنّ عليهم واضحة: “نحنا بخير، بس..”. وكثيرة كانت الإتصالات التي لم تسلك طريقها المعتاد بين المهجر والوطن في ذلك اليوم.
أهو هجوم أم إهمال؟ أوليس الإهمال هجوم أيضًا؟ وماذا يهمّ، فهم اعتادوا أن يراهنوا على عامل الوقت والنسيان.
ليس بقليل أن تدخلوا منازلهم بعد اليوم، فهم دخلوا على رماد جثثنا “متفقّدين” الأضرار
ليس بقليل أن تحرقوا أموالهم وممتلكاتهم بعد اليوم، فهم حرقوا أغلى ما تملكون
ليس بقليل تكسير أصنامهم بعد اليوم، فهم لا يزالون حتّى اليوم يبرّرون أفعالهم
ليس بقليل جرّهم إلى الساحات بعد اليوم، فقد حوّلوا الوطن إلى ساحة موت
ليس بقليل تعليق أجسادهم بعد اليوم، فهم خطفوا روح أمّة يوم قطّعوها لأشلاء
لا تتركوا لهم الوقت كيف يُخبروا أنفسهم ماذا تفعلون بهم.. فقط، إحملوا قلوبهم وارموها بعيدًا جدًا، حيث لن يفوح منها ما يؤذي أولادكم.
لم تنجُ العاصمة هذه المرّة من “نيرون”. إنّه “نيرون” ذلك الوطن المنكوب، الذي جعل من نفسه عبرةً للجنون والحزن والإنهيار.
في الأيام والأسابيع والسنين المقبلة، كُثر سوف يكتبون، يحللون، يوجّهون، لكنّ الأكيد أن جميع من مرّ في تلك الأرض لا تزال دمعته متوقّفة في مكان ما.
لقد لفتني في اتصالي مع أمّي أنّها كانت أول من سألني عن حالي، وبيني وبين بيروت عواصم عديدة. إستذكرتُ ما كتبه أحد المغرّدين في ذلك اليوم: “قدر الأمّ اللبنانية أن تبكي في المطار أو في المستشفى”.
لملموا قلوبهم.. فبعض الأمهات لن يَعرفنَ غدًا أين سيبكينَ.