يتصفح اللبنانيون وسائل التواصل الإجتماعي في الأسابيع القليلة الماضية، كعجوز أثقله المرض ويبحث عن إسمٍ يعرفه في صفحة الوفيات. لا يختلف المشهد بين الوطن والمهجر، فالمهاجرون أصبحوا ينظرون إلى وطنهم الأمّ، عجوزًا كئيبًا، فيه من الحكمة والتجارب المدمّرة أكثر بكثير ممّا فيه من مستقبل وأمل.

يوم قرّر أحدهم الهجرة من لبنان قبل نحو عقدٍ من الزمن، لم يعتبرها هجرة بقدر ما كانت استسلام. والحال أن اللبنانيين لا يُهاجرون، بل يستسلمون في تلك المعركة على أرض وطنهم، ليبدأوا معركة جديدة على أرضٍ أخرى. معظمهم لا يعرف حيثيات المعركة المقبلة وانعكاساتها الإقتصادية والنفسية والثقافية عليهم، لكن الأكيد أن تجارب من سبقهم لم تكن مخيبة للآمال كما كانت في المعركة اللبنانية.

يوم قرر هذا المهاجر زيارة لبنان، عرف أن اللبناني هو دائمًا في حالة حرب داخلية، وقدره التنقل الدائم بين المعارك، والعودة إلى حيث انهزم، كي يربح.

قد تهاجر، وتعود للزيارة، ويسألك أحدهم عن أحوالك. سوف ينظرون إليك على أنك المحظوظ بينهم. سوف يسألونك عن نمط حياتك، وأكلك، ونظام عملك. حتى أن بعضهم سيسألك عن مدخولك… الأسوأ في كل ذلك شعورك أنك في بيتك، حيث هناك من يسأل عنك، ولكنك ستعود وتغادر.

بعد 4 آب، فقد اللبنانيون البوصلة، ساكنو تلك البلاد ومغتربيها. لقد غدروا بالأمّة، وأصبحت تلك الأمّة يتيمة. ماذا نقول لمن يسأل “كيف يمكنني المغادرة؟”. كيف يمكننا أن نقنعه بعدم الإستسلام، ونحن استسلمنا قبله؟ كيف يمكننا أن نصور له حقيقة تلك المعركة القاسية، الهجرة، وهو يرى حربه أصلًا خاسرة. كيف يمكننا أن نقنعه أن السماء التي نتشاركها هي واحدة، ولو أن الأرض فرّقت القلوب بمساحاتها. كيف سنفسّر له أننا أيضًا نسمع ألكسندرا تغنّي، ونرى سحر ترقص، ونشعر مع إبن جاد الذي لن يرى والده،… وغيرها الكثير من القصص التي لم تفارقنا منذ ذلك اليوم الحزين. ومن قال أن المعركة الأولى سوف تستسلم منك؟ هي هجرة الأدمغة، لكن القلوب تبقى هناك. وبين العقل والقلب، يبقى ذلك اللبناني مشلّعًا بين الأوطان، يبحث عن فينيقًا ينفض عن وطنه الرماد.

غرّد أحدهم منذ بضع سنوات، مازحًا: “أنا لم أهرب من لبنان، بل من اللبنانيين، وها إني ألتقيهم حيثما ذهبت”. ذلك اللبنان، قتلته الآلهة ونحرت أبناءه اللبنانيين في كل العالم. لا تستسلموا في المعركتَين: واجهوا تلك الآلهة إن كانت تلك الأرض مصيركم الأوحد.. أو “فلّوا”!.

المصدر: فريق موقع LebAustralian