ليس من عادات البلاد والمواطنين ان يتغنوا بتبني دولة أخرى لكيانهم، أو يغازلوا إحدى العواصم الكبرى لارتباطهم التاريخي بها، كما هي الحال بين بيروت وباريس.

اما وقد توالت خيبات اللبنانيين من تلك “الام الحنون” ، أي فرنسا، والتي لطالما كان لها الفضل الأكبر في ترسيخ الكيان اللبناني منذ استقلال ١٩٤٣، فقد شعر اللبنانيون ان الفرنسيين (ونقصد المسؤولين السياسيين)، قد استعملوا الصابون الذي لطالما اشتهروا به، “لتزحيط” لبنان من الاحضان الدولية والعربية الى أسفل المحاور حيث السجاد الايراني.

وعلى بُعد مسافة نحو يوم سفر، كانت أستراليا التي استقبلت اللبنانيين منذ القرن التاسع عشر، ولو عن غير قصد، ترد “التزحيطة” الفرنكوفونية بصفعة انكليزية من الطراز الأول، بعد ان سحبت صفقتها البالغة ٩٠ مليار دولار مع الفرنسيين لبناء الغواصات النووية لصالح بريطانيا والولايات المتحدة.

غضب اللبنانيين الذي امتصه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بعد انفجار بيروت واعادة تعويمه للطبقة الحاكمة في لبنان وعلى رأسها حزب الله، انقلب على الفرنسيين الذين خسروا صفقة العمر، وهم الذين يرزحون تحت الأزمة الاقتصادية هي الأثقل عليهم منذ بداية القرن الواحد والعشرين، والتي بدورها تهدد عرش حكام باريس الحاليين ودورهم في المحافل الدولية. استدعاء سفراء وغضب فرنسي وتصاريح منددة وهجوم ديبلوماسي متعدد المحاور، قبل ان يستفيقوا موخرا على خبر الغاء سويسرا لصفقة شراء طائرات رافال الفرنسية واستبدالها بطائرات F-35 الأميركية.

الأكيد ان أستراليا بفعلتها غير المقصودة قد اراحت من قرأ في لبنان عن صفعتها لماكرون وحكومته (وليست المرة الأولى التي يأكل فيها صفعة)، ومن أولئك ما غرّد الكاتب والصحافي غسان شربل: “فضلت استراليا الغواصات الاميركية فخسرت فرنسا “صفقة القرن”. ندد وزير الخارجية الفرنسي بما سماه “طعنة في الظهر”. كأنه ينسى ان لدبلوماسية الكبار دائما رائحة الخيانة على رغم رش العطور”.

قد يكون لاستراليا دورًا بارزًا في صف قادة العالم بعد التحولات العالمية الكبرى في السنوات العشر الأخيرة. من يعرف أستراليا ويعيش فيها، يعرف انه سيلتقي بلبنانيٍ فيها أينما ذهب. بعض أولئك اللبنانيين لا يزال لا يعترف بها كوطنٍ بديل، وبعضهم الآخر لا يستطيع العيش خارجها، لكن الأكيد أن جميعهم ينادونها “إمنا الحنون”.