حال كثير من المغتربين الذين حلموا بأن يعودوا يومًا إلى وطنهم وساحاتهم وملاعبهم، هم أنفسهم استيقظوا ذات صباح على صُور عاصمتهم تحت الرماد، وكأن الدخان الذي اختلط برائحة الدم التي انبعثت من ذلك المرفأ، وصلت إليهم في تلك اللحظة.

خوف على أحبة قد يكونون من بين الضحايا، لم يكن أقل من وداعٍ جماعي لماضٍ وحاضرٍ جماعي ورثاء على صُور تلك المدينة الجميلة التي كانت على موعد مع ليلة أخرى صاخبة بالسهر في ذلك اليومي الصيفي.

لم ينتهِ دوام العمل لعناصر فوج الإطفاء في ذلك اليوم، بل إن وجوهم هي التي غابت عن أحبتهم. لم يلتئم جمع الأصدقاء بعد العمل، ولم يخلد ذلك الطفل إلى سريره كما المعتاد في الوقت المحدد. لن يعود موظفو المرفأ والعاملون أو الساكنون في المباني المحيطة إلى بيوتهم في تلك الليلة، ولا في الأيام القادمة.

حتى ذكرى رحيل أولئك لم يتوقعها عاقل أن تُمحى بهذه السرعة. كيف لا، وحكام تلك المدينة لا يعترفون بالموت بسبب الإرهاب والإهمال، بل بالقضاء والقدر. لقد هزّ ذلك الانفجار نحو خمسة دول محيطة للبنان، فيما هزّ ذلك اليوم وجدان العالم، لكنه لم يهزّ ثورة شعب لاقتلاع القتلة من بينهم في تلك اللحظة، وحتى بعدها بسنتَين.

المحاولة المستمرة لمحو جريمتهم أمام الأجيال القادمة، إن في تمييع التحقيق وتسييسه وتحوير حقيقة الإعتداء، أو في هدم الإهراءات بحجج السلامة العامة وتلطيف المشاعر والذكرى الأليمة لأهالي الضحايا، كما العادة قد تأتي بثمارها، مع شعب أصبح “التطنيش” ثقافته، والهروب نحو المجهول رصيده، علّه يجد فيه خبزه.

في ٤ آب، غابت أساطير “الشعب الذي يعشق الحياة” والمدينة التي لا تنام”، و”الله الحامي”، وحلت مكانها عبارة “كما تكونون يولّى عليكم”. انتهت الانتخابات النيابية واختار الشعب اللبناني ممثليه، وكثير من رمادٍ بقَي في ذلك المرفأ. وذلك الذي حلم للبنانه أن يعود كي يعود، لا يزال يستيقظ على رماد وطن!