حتى كتابة هذه السطور، كانت الحصيلة النهائية المُعلنة رسميًا للمصابين بفيروس الكورونا (Covid19) في لبنان هي 41، من دون تسجيل وفيات، في حين بلغت في إيطاليا الـ9172 مصابًا ونحو 500 حالة وفاة.

في أستراليا، وبالرغم من أن الحكومة اتّخذت كامل الإحتياطات الإستباقية واوقفت كل الرحلات الجوية مع الصين في الأول من شباط، لتعود وتضمّ كوريا الجنوبية وإيران إلى الدول المحظور السفر إليها وتوقف جميع الرحلات الآتية من هناك، بلغ عدد المصابين فيها 93، مع تسجيل 3 وفيات لرجلين يبلغان من العمر 82 و85 عامًا، وامرأة في الـ95 من عمرها.

في سيدني، جلست وصديقي الإيطالي نتحدّث في أمور الساعة. كان القلق مسيطرًا عليه، مثله مثل أي مهاجرٍ في بلدٍ بعيدٍ يخاف على وطنه الأمّ خصوصًا عند الأزمات. وللملاحظة، يتميّز معظم الإيطاليين واليونانيين واللبنانيين بشبهٍ كبيرٍ، ويمكن لهذا الشبه ان يظهر جليًا خصوصًا في بلاد الإغتراب، حيث من الصعب على أي مواطن آخر في تلك البلاد التمييز بين جنسياتهم.

سألتُ صديقي الإيطالي: “لماذا انتشر الفيروس عندكم بهذه السرعة وبهذا العدد الكبير، مع العلم أن نظامكم ديمقراطي، يختلف كثيرًا عن النظامين الصيني والإيراني، وبالتالي طريقة تعامل حكومتكم مع هذه الأزمة يجب ان تكون أكثر جدية”. أجابني: “المشكلة ليست في النظام أو في الحكومة، المشكلة في الشعب. في إيطاليا كما في كل بلدان العالم، هناك فساد سياسي، والحكومة قامت بواجباتها التوعوية منذ انتشار الفيروس، ولكنّ الإيطاليين “المحبّين للحياة” قرروا وبرغبة جماعية أن لا ينصاعوا لهذه الإرشادات، معتبرين أنها تهويل غير ملزم، وعلى عكس المطلوب، زادت التجمعات الشعبية واستغل بعضهم إخلاء مركز عمله ليقوم بالتبضّع والترفيه عوض ملازمة منزله. لقد اصبح معدّل عمر الوفيات الناتجة عن كورونا 81 عامًا بعدما كان 85، والسلطات تتخوّف من أن يستمر المعدّل بالإنخفاض مع بدء المعاناة في قطاع المستشفيات”.

لوهلة، قد نعتبر هذا الكلام مطابقًا وبشكل كلي مع ما يجري في لبنان، ما فارق أن عدد المصابين لم يتخطّ الـ50. اللبنانيون الذين نزلوا إلى الشارع منذ 17 تشرين الأول 2019، منتفضين على الطبقة السياسية الحاكمة منذ نحو 30 عامًا، انتقدوا تعامل الحكومة الجديدة ووزير الصحة حمد حسن مع الأزمة منذ بدايتها ودعوته لـ”عدم الهلع”، مع فتح باب الرحلات ذهابًا وإيابًا للدول الموبوءة حتى اليوم. وقد ذكرت صحيفة “لو موند” الفرنسية أن الفريق السياسي المقرّب من وزير الصحة، حزب الله، قد أقام مستشفى في الضاحية الجنوبية لبيروت لاستقبال مسؤولين كبار في النظام الإيراني ومعالجتهم من الفيروس بعدما أصبح القطاع الطبي والرسمي في بلادهم، شبه عاجزٍ عن إدارة الأزمة.

هؤلاء اللبنانيون أنفسهم، مدعوون اليوم لأن لا يكونوا تلك الصورة الشعبية عن طبقة انتفضوا هم عليها في الأشهر القليلة الماضية، ولو ان لهم الفضل في إيصالها واستمرارها خلال العقود الماضية. كيف يمكن لصاحب مطعم أو مجمّع سياحي أن يستقبل هذا العدد الهائل من المواطنين، وخصوصًا طلاب المدارس الذين تمّ تعليق دروسهم في هذه الفترة، من دون أن يفكّر ولو للحظة أن شخصًا واحدًا قد يحوّل هذا المكان إلى بؤرة للفيروس القاتل؟ كيف يمكن للأهل الذين يطالبون بمستقبلٍ افضل لأولادهم وأكثر أمانًا، أن يتنقّلوا في الأماكن العامة والخاصة من دون الحدّ من حركتهم، أو أن يُرسلوا أولادهم للأماكن الترفيهية في هذا الظرف؟ حتى الطلاب الذين يجاهرون باستغلال “العطلة المدرسية”، ألم ينتفضوا في الأشهر القليلة الماضية على الطريقة التقليدية في إدارة الشؤون العامة وما أوصلته هذه الإدارة من فساد ضرب الهيكل بأكمله وأوصل البلاد إلى ما وصلت إليه اليوم؟ ألم يتعلّم المؤمنون الذين يزورون الأديار والمقامات أن من أهمّ ما ميّز أولئك القديسين أنهم كانوا حبساء صوامعهم، فعلّهم يتشبهون بهم بذلك فقط؟ ألا تشعرون من حولكم بالإنهيار القادم وقدرته على شل الكثير من القطاعات، وأوّلها القطاع الصحي؟ وإذًا كنتم لا تخافون على محيطكم، وخصوصًا كبار السنّ منهم، فنحن المغتربون نخاف عليكم وعلى من بقيَ لنا هناك.

يُشار إلى أن نسبة الكورونا في إيطاليا تخطت النسبة الصينية، حيث بلغ معدل الإصابات 0.16 بالمئة من مجمل السكان الإيطاليين، في حين وصل في الصين إلى 0.006 بالمئة. ومع إعلان الحكومة الإيطالية اليوم وضع البلاد بأكملها في الحجر الصحي وإيقاف جميع الرحلات الداخلية والخارجية، تستمر السلطات اللبنانية باستقبال الطائرات من ميلانو الإيطالية ومشهد وطهران الإيرانيتين.

أيّها اللبنانيون، إتّعظوا: إنه فيروس قاتل، إنّه فيروس “الكورونا” وليس “الدلعونا”.

المصدر: فريق موقع “LebAustralian.com”

Latest Posts

اكتشاف المزيد من LEBAUSTRALIAN

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading